Monday, September 10, 2007

كلام إبراهيم أصلان

" إذا حدث وقرأت قصصاً لا تتعرض بشكل مباشر لأى من الأحداث أو القضايا الكبيرة التي نعيشها، فلا تظن أن هذه القصص المعنية بصغائر الأمور كانت بمنأى عن هذه الأحداث الكبيرة أبداً.
فالأحداث الكبيرة هي كبيرة فقط لأنها تصوغ وتلون المناخ أو المزاج العام الذي يعيش فيه الخلق من عباد الله، وهى تؤثر بالتالى أعمق التأثير في تفاصيل الحياة اليومية وفى طبيعة العلاقة العادية بين الإنسان ونفسه، وبالآخرين، وبالدنيا التي يعيش فيها.
والسعى فنياً من أجل التعبير عن طبيعة هذه العلاقات الإنسانية، هي وظيفة الفنون جميعاً.
التعامل إذن مع الأحداث على نحو مباشر هو عمل الباحثين والدارسين والمعلقين وهو الأجدى. ورغم أن هناك أعمالاً أدبية وفنية تناولت بعض هذه المسائل الكبيرة على نحو مباشر ونجحت لاعتبار أو آخر، إلا أننا لم نعرف بعد كيف يمكن لأحد أن يعبر فنياً عن القضية الفلسطينية، مثلاً، وهو لم يعش في الأرض المحتلة ولا كان يوماً من رجال المقاومة، ولا كيف يعبر فنياً عن حرب أكتوبر على نحو مباشر من لم يحمل سلاحاً ولا شارك في عبور إلا عبور الشارع، بالكاد. مع ذلك فإن هذه الأحداث ليست غائبة عن النسيج الاجتماعى، الذي يسعى الفنانون بحثاً فيه عن تفاصيله الدالة، والتى تبدو وكأن لا علاقة لها بهذه الأحداث. لذلك أرجوك، إذا ما صادفك رجلاً في قصة أو رواية وقد جلس صامتاً، أو طفق يضحك من دون سبب، أو رأيت أحداً يمشى في الشارع وهو يتبادل الكلام مع نفسه، أو لمحت امرأة تزينت ووقفت أمام المرآة لا تعرف ماذا تفعل بنفسها، إذا صادفتك مثل هذه التفاصيل العابرة، فلا تظنها غير ذات صلة بهذه المسائل الكبيرة. لأن في تطلع طفل إلى الطعام في يد الغير هو تعبير عن محنة عظيمة. وارتجافة خوف تعترى إنسانا من لحم ودم لمجرد مروره أمام قسم شرطة لهو اختزال لتاريخ كامل من المهانة والقهر. وسوف أعرض لك هنا مثالاً من قصة قصيرة كانت تعبيرا عن حرب هائلة، هي الحرب العالمية الثانية، من دون أن تأتى على ذكر هذه الحرب بكلمة واحدة.
القصة اسمها "الخبز" ، وهى من مجموعة "شدو البلبل" التي كان ترجمها صديقنا المصرى المقيم بألمانيا سمير جريس للكاتب الألمانى "فولفجانج بوشرت" . وهى لا تزيد عن ثلاث صفحات من القطع الصغير. واختصار القصص شئ ردئ ولكننا سنحاول.
نحن في ألمانيا، طبعاً، والليل في آخره.
السيدة العجوز تنتبه من نومها على صوت، كأن أحداً تعثر بكرسى المطبخ.
إنها تتحسس الفراش إلى جوارها فتجده خالياً من زوجها، حينئذ تتلمس طريقها في العتمة حيث يلوح شبحاً أبيضاً محاذياً للثلاجة.
تضئ المصباح، وتلاحظ أنه اقتطع قطعة من الخبز، والسكين مازالت إلى جوار الطبق الموضوع على المنضدة، والفتات على الغطاء الذي نظفته قبل أن تأوى إلى الفراش. إنها تشعر بالبرودة وتشيح بوجهها. ويقول العجوز وهو يجول ببصره في زوايا المطبخ إنه سمع صوتاً، وظن أن أمراً حدث. تلحظ هي أنه يبدو أكثر هرماً في الليل، ولم ترغب أن تنظر إليه وهو يكذب عليها بعد تسعة وثلاثين عاماً من زواجهما. ترفع طبق الخبز وتنظف المائدة وتقول، بينما هما يعودان للفراش، إن ما حدث كان في الخارج، ربما عصف الريح هو ما فعل ذلك الصوت، وارتطام المزراب بالحائط. ويقول العجوز فعلاً، وأنا الذي توهمت أن ذلك كان في المطبخ. وتشعر هي باضطراب صوته بسبب الكذب، وتتثاءب، تصبح على خير. ويقول: تصبحين على مثله.
بعد دقائق تسمعه يمضغ بهدوء مشوب بالحذر. تظاهرت بالتنفس المنتظم كى ما توهمه أنها نائمة. مع الوقت أخذها إيقاع مضغه إلى النوم الوئيد.
في اليوم التالى تضيف إلى حصته قطعة رابعة من الخبز. تقول إنها لا تشتهى اليوم أكثر من قطعتين. ويقول: إن قطعتين من الخبز لا تكفيان.
وتقول هي أن نعم، ولكنها لا تستطيع أن تتناول أكثر، ثم تجلس جانبه تحت المصباح وتهمس: كل يا رجل، كل.
إلى هنا ينتهى المشهد.
الذي هو تعبير عن ضراوة الحروب جميعاً، دون كلمة مباشرة واحدة. "

كل ما سبق من مقالة للأستاذ إبراهيم أصلان بعنوان هذه المسائل الكبيرة، قرأتها في كتابه الأخير شئ من هذا القبيل الذي أعتقد أنه تجميع لمقالاته في الأهرام، المقالة ليست رائعة لذاتها فقط، وإنما هي حسب ما رأيت تعكس أسلوباً فنياً كاملاً دون خوض في مصطلحات ثقيلة غير مفهومة، كما أنها تعكس أسلوب كاتبها ذاته الموجود في أعماله الأدبية الأخرى، وأعجبتنى شخصياً لأننى لو بصدد إنجاز عمل فنى فسوف أتبع نفس الطريقة غالباً، ولكل ما سبق فقد اعتقدت أنه من الواجب نشرها لعل أحداً لم يشتر الكتاب أو يصادف المقالة في الأهرام وقتها يستفيد من تلك المقالة شيئاً.
----------------------------------------------------------------------

ع الهامش: لما طلعت إشاعة وفاة الرئيس الرصين (كما تطلق عليه بعض الصحف الحكومية) حسنى مبارك، انا بصراحة ماهتمتش قوى لأنى بطلت أهتم بمتابعة الأحداث السياسية من زمان، لكن اللى لفت انتباهى كان مغالاة بعض كتاب الصحف الحكومية في الوقوف في صف الرئيس الرصين، ماكنش ناقص غير ان مانشتاتهم تنزل كالآتى "كنا مع الرصين، وسنظل مع الرصين، وسنموت مع الرصين"، أنا أصلا بيتهيألى من كتر حبهم للريس ممكن يعملوا حزب ينافس الحزب الوطنى ويسموه "مع الرصين للأبد" ويعملوا نسخة شبابية منه يسموها "مع الرصين فورايفر"، ع العموم اعتراضى عليهم مش اعتراض على انهم مع الرصين أو لأ، انما هو اعتراض مهنى بس، ارحموا قرائكم رجاءً لأنهم مش بالسذاجة اللى انتم متخيلنها.

أحمد بدوى

5 comments:

Amr said...

وسنظل مع الرصين

صدقت

محمد مصطفى said...

مرحبا بك في كوكب الأرض
ابتسم أنت في مصر

Ayman Elsherbiny أيمن الشربيني said...

القصة الجيدة هي التي لا يستشف القارئ فحواها بسهولة، وإنما يفكر في المعاني المتضمنة فيها ويحللها ليصل إلى الحلول والنتائج. من أكثر كتاب الروايات المصريين الذين قرأت لهم وأحببتهم هو الدكتور يوسف عز الدين عيسى

بالنسبة للرصين، شاكله حيرصص معانا

Mai Kamel said...

مممم.. بداية قد تكون تلك بداية لان ابدأ احب ابراهيم اصلان
عجبني المقال جدا يا احمد.. فعلا شكرا ليك انك حطيت الموضوع وصدقني هبقى شكرا جدا بقى لما اضرب ع الكتاب زي اللى قبله
هههههههههههههههههههههههههه

اما بالنسبة لحزب مع الرصين دائما ده فياسلام عليك
فكرتني بمشروع المجلة العبقري اللى كان نفسي اعمله مجلة "مسخرة" لو كنت فاكر كيف ينطق الاسم فهيكون الاسم هو المعبر الاوحد عن حزب الرصين ده
ولا ايه؟؟
:D

Cheb Amadou said...

عمرو:
سنظل؟!! اتكلم عن نفسك

مادو:
سعيد لمرورك طبعاً، بس هو حد كان قالك انى فى المريخ؟

أيمن:
تعليقك حلو، بس ماينطبقش على يوسف عز الدين عيسى يعنى. أعتقد انك مافهمتش الإفيه اللى فى الهامش

مى:
والله تعليقك على ابراهيم اصلان عجبنى لأنى بصراحة اتصدمت لما قلتيلى قبل كده ان وردية ليل ماعجبتكيش.
طبعاً فاكر مسخرة، وأكيد حتبقى هى التعبير الاعلامى الأقوى عن الناس دى.